الإسلاميون والديموقراطية - الشيخ عيسى قاسم 2005م

الإسلاميون والديموقراطية
من خطبة لآية الله الشيخ عيسى قاسم "دام ظله"
في 21/1/2005
كيف نوائم بين حكم الله بالإسلام وبين التصويت على قبول أطروحته في الحكم؟
الله عزّ وجل يوجب الأخذ بالإسلام، ولايرخّص في الأخذ بغيره، فكيف يحقّ لنا، وفي مجتمع مسلم، أن نصوّت على قبول الأطروحة الإسلامية في المجال السياسي وعدم قبولها؟
وقد قلنا إن هذا التصويت إنما يجري في الحالة الاستثنائية التي تكلمنا عنها في الحديث الصباحي. ولهذا الخيار خلفيته الصحيحة.

أ. الأمر يدور بين فتنة طاحنة في المجتمع الإسلامي، وبين التصويت على الأطروحة الإسلامية في المجال السياسي. وحين يكون الأمر كذلك فإن القاعدة لاتجيز ارتكاب الخسائر إلا للضرورة، فإذا انفتح سبيلان لتحكيم الإسلام؛ سبيل التصويت والانتخاب، وسبيل المواجهة العسكرية الدموية، وكانت النتيجة أكيدة في كل منهما، أو كانت متوقعة على حد واحد فإن أسلوب التصويت هو المتعيّن من بين الأسلوبين لما يمثّله أسلوب المواجهة الدموية من خسائر فادحة لاضرورة لها.
ب. والإسلاميون في البلاد الإسلامية، ولحد الآن، وفي ضوء أكثر من تجربة عملية، لهم أن يثقوا بأن النتائج في صالح الإسلام عند طرح المسألة للتصويت. شهدت بذلك الجزائر، وشهدت بذلك أي انتخابات حملت درجة من النزاهة في أي أرض إسلامية على مستوى الجامعات، وعلى مستوى النقابات، وعلى أي مستوى آخر.
فالإسلاميون واثقون بأن المجتمع الإسلامي سيصوّت للإسلام لو أُعطي الخيار بين الإسلام وغيره، وقد أثبتت التجربة الإيرانية ذلك وبصورة سافرة وقوية لايُجادل فيها.
ج. في هذا التصويت إسقاط لحجة الآخرين الذين قد يرمون أي حكومة إسلامية تأتي عن غير طريق الانتخاب بالديكتاتورية والاستبدادية. ونحن لانقدر إعلام الآخرين من هذه الناحية إلا لما له من أثر سيء على المسلمين أنفسهم.
د. ثم إن الحكم ليس هو الغرض للإسلاميين، الغرض هو الحفاظ على أصل الإسلام، وعلى نقائه وصفائه، واحتضان الناس له، وبقاء الأَّمة الإسلامية متماسكة. وحين تتعرض وحدة المسلمين للتفتّت فإن الحرب غير مختارة إلا أن تحكم ضرورة بالغة بذلك لايمكن الحفاظ على المصلحة الإسلامية بمقتضاها من غير المواجهة العسكرية، وفي أي فرض آخر يمكن الحفاظ على المصلحة الإسلامية العليا من غير تعريض الأمة الإسلامية إلى التفتيت لايمكن الإقدام على تفتيتها.
وشيء آخر هو أن الحكومة الرسالية الإلهية لها دوران؛ دور إيجاد أوضاع دنيوية إيجابية مستقرة، فمن دور الحكومة الإسلامية أن تتقدم بدنيا الناس، بصناعتهم، بزراعتهم، باقتصادهم، بسياستهم إلى آخره، والدور الأهم هو صناعة الإنسان؛ صناعة الإنسان الراقي، صناعة الإنسان الرسالي. والدور الثاني يحتاج إلى موقف أختياري من الناس. تربية الناس، وتكميلهم، وأخذهم على مسار الرسالة الإسلامية ليُصنعوا عظماء يحتاج إلى استجابتهم لتلك التربية؛ فالموافقة التي تُؤخذ على الإسلام أو على الحكومة الإسلامية تنفع في هذا المجال كثيرا، حيث إن الناس سيستجيبون إلى التربية الإسلامية وإلى المنهج الإسلامي الذي يستهدف صناعتهم، وتخريجهم نماذج فذّة، ومجتمعا إنسانيا راقيا، ومنارة مشعة في الأرض، عند ما يكونون قد اختاروا ذلك المنهج بملء حريتهم.
هل شعار الانتخابات عند الإسلاميين وصولي وموقّت وسيُقابل بإدارة الظهر بعد تحقيق المطلب السياسي؟
أقول: لا. شعار الانتخابات يمكن أن يستمر عند الإسلاميين، وأنهم لايتخلّون عن هذا الشعار، وعن قضية الانتخابات حتى لو تحقق الحكم لهم، لماذا؟ لما تقدّم من أنهم ليسوا الأضعف في الساحة الإسلامية وإنما هم الأقوى، وهم الأكثر وثوقا من حصول أغلبية الأصوات. وإذا كان هذا حالهم قبل تسلّم السلطة، وقبل أن يتولوا تربية المجتمع تربية إيمانية مشعة فكيف إذا حكموا، واستطاعوا أن يسهموا إسهاما كبيرا في صياغة المجتمع صياغة إسلامية؟ إن المجتمع بعد ذلك لن يختار على الإسلام شيئاً.
فلا داعي لأن يتخلى الإسلاميون عن شعار الانتخابات بعد أن يتسلموا الحكم في أي بلد يقوم فيها الحكم على ما يسمى بالديموقراطية.
تجربة الانتخابات وغير الإسلاميين:-
أما غير الإسلاميين فقد ذُبحت الديموقراطية على أيديهم أكثر من مرة، وقد طُلِّقت أكثر من مرة، ماذا فعل العلمانيون في الجزائر بالديموقراطية عندما شارف الإسلاميون على تحقيق النصر؟ وماذا تفعل الجماهيريات العربية وهي تُحوّل المسألة السياسية من مسألة انتخابات إلى مسألة وراثية؟! ماذا فعلت باكستان على يد مشرّف؟ ماذا فعلت تركيا مع أربكان عندما شارف على النجاح السياسي؟
آية الله العظمى السيستاني والانتخابات
حينما يطرح سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني حفظه الله مسألة الانتخابات هل يخير المسلمين العراقين بين الإسلام وغيره؟ وهل يخير المسلمين العراقيين بين حكومة إسلامية وغير إسلامية؟ وبين دستور يقوم على الاسلام ودستور يكفر به؟.
لا، سماحة السيد آية الله العظمى السيستاني ينادي ويوجب على المسلمين أن ينتصروا لدينهم، ماذا يقول؟ يقول هناك محاولتان للانتصار للإسلام، طريقان للانتصار للإسلام، تجريد السيف، وما يُدّعى من الديموقراطية، وتحكيم صناديق الاقتراع.
نحن نختار تحكيم صناديق الاقتراع في الانتصار للإسلام، نقدّم هذا الأسلوب السلمي على أسلوب المواجهة الدموية، فهو يوجب على المسلمين العراقيين أن يخرجوا كبيرهم وصغيرهم، ومن استطاع من مرضاهم وسقمائهم إلى صناديق الاقتراع نصرة للإسلام، والصوت عنده أغلى من الذهب في هذه المسألة، القول للإسلام نعم، القول للإسلاميين نعم، ترشيح انتخاب حكومة تختار الإسلام على غيره ولو جزئيا مسألة واجبة على العراقيين ويطالبهم السيد السيستاني بهذا الأمر مطالبتهم بالصلاة والصوم والحج إن لم يزد على ذلك، لأن في المسألة مصير الإسلام.
فهو يوجب على المسلمين أن ينصروا دينهم عن طريق صناديق الاقتراع بدل أسلوب العنف ما أمكن. وإنه يوجب التصويت للأطروحة المرضية لله، وللأشخاص المرضيين لله.
تنوع القائمة الموحدة:-
بما نفسر تنوع القائمة الموحَّدة عند سماحة السيد السيستاني حتى يكون فيها الصابئ، ويكون فيها العلماني، ويكون فيها أصناف من الناس غير الإسلاميين؟
إنه تكيف مع الظروف في حدود مقررات المصلحة الإسلامية، هناك تكيف مع الظروف في الإسلام، ولكن بحيث يكون هذا التكيف محكوما لمقتضى المصلحة الإسلامية. وفيما اختاره سماحة السيد حرص على سلامة المجتمع ووحدته. وفي موقفه رد على مزايدات الغرب باسم الديموقراطية والتعددية لكن بما يأذن به الإسلام في ظل العنوان الثانوي.
حكومة الفقيه:-
من وصفها أنها انتخابية، أنها تأتي عن طريق البيعة، واختيار الناس، ورضاهم، وهذا الانتخاب لايكون إلا ضمن الشروط التي افترضها الإسلام في الحاكم.,
وحكومة الفقيه دستورية، وليست استبدادية، حكومة الفقيه ليست من حكومة العادل المستبد إنها من حكومة العادل الخاضع للدستور، ودستور الفقيه الإسلام الذي لايتعداه إذا كان عادلاً قيد شعرة، وهي مستندة في تمشية الأمور، وإدارة شؤون الدولة إلى خبرته الشخصية منضمة إلى خبرة أهل الخبرة من أهل الاختصاصات المختلفة.
المصدر:
http://albayan.org/modules.php?name=News&file=article&sid=325






المشاركات الشائعة من هذه المدونة